تعريف الزواج السري واقوال الفقهاء فيه - شرعي

شريط إخباري
ما هي اليمين المتممة؟   **   ما هي اليمين الحاسمة؟   **   الاعتقاد السائد عند كثير من المحامين و/او المرافعين الشرعيين هو عدم جواز تقديم استئناف الا بعد صدور حكم قطعي ، الحقيقة ان  هذا الاعتقاد خطا   **   اختلاف قضاة الاستئناف في تفعيل المادة السادسة من نظام تأسيس محكمة الاستئناف الشرعية (تشريع فلسطين 1918-1925)   **   طلب الزوج تأجيل الدعوى لتوقع خروجه من السجن بعد شهر من الموعد المحدد فرفضت محكمة البداية طلبه لكن…..   **  

تعريف الزواج السري واقوال الفقهاء فيه

تعريف الزواج السري واقوال الفقهاء فيه

بقلم : أ. رائد عبدالله بدير

أ. رائد عبدالله بدير ( عضو هيئة الدعاة والعلماء في فلسطين)

الزواج السري من أهم أنواع الزواج التي ينبغي أن تبحث بمزيد من الرعاية والعناية والاهتمام، وسبب ذلك أن الآثار التي تترتب على هذا الزواج آثارٌ سرية، وأهمها نسب الأولاد إلى أبيهم سراً، وقبل أن أخوض في تلك المسائل لا بد من بيان ماهية الزواج السري، ولا بد من معرفة صوره عند الفقهاء، حيث اعتادوا أن يسموا هذا الزواج في كتبهم القديمة نكاح السر.

قال الجرجاني في التعريفات:” نكاح السر أن يكون بلا تشهير.”[1]

وقال السيواسي:” نكاح السر ما يحضره شهود فإذا حضروا فقد أعلن.”[2]

وقال الشيباني:” نكاح السر إذا شهد عليه العدول قال محمد : قال أبو حنيفة: نكاح السر جائز إذا شهد عليه العدول وان استكتموا، وقال أهل المدينة: لا يجوز نكاح السر وان شهد عليه العدول إذا استكتموا ذلك.”[3]

وقال الدسوقي:” قال ابن عرفة:نكاح السر باطل والمشهور أنه ما أُمِر الشهود حين العقد بكتمه.. ونص الباجي إن اتفق الزوجان والولي على كتمه ولم يعلموا البينة بذلك فهو نكاح سر. وفي المعونة إذا تواصوا بكتمان النكاح بطل العقد خلافا للشافعي وأبي حنيفة  وذكر شيخنا العدوي ما حاصله الأولى إبقاء كلام المتن على ظاهره وان المعنى فسخ موصى بكتمه، هذا إذا كان المتواصي بكتمه الشهود والزوجة والولي بل ولو كان المتواصي بكتمه الشهود فقط، دون الزوجة والولي، والذي يوصى بكتمه هو الزوج فقط أو هو مع الزوجة، فالمدار على إيصاء الشهود بالكتم أوصى غيرهم أيضا أو لا، وعلى كون الموصى بالكتم هو الزوج سواء انضم لذلك غيره أم لا، فلو استكتمت الزوجة والولي الشهود دون الزوج لم يؤثر شيئا، أو اتفق الزوجان والولي على كتمه ولم يوصوا الشهود بذلك فكذلك. والحاصل أن في  نكاح السر طريقتين طريقة الباجي وهي كما لو تواصى الزوجان والولي على كتمه ولم يوصوا الشهود بذلك، ورجحها البدر القرافي، وطريقة ابن عرفة هي أن نكاح السر إذا أوصى الشهود على كتمه وأوصى غيرهم أيضا على كتمه. ولا بد أن يكون الموصى الزوج انضم له أيضا غيره كالزوجة، وكلام المصنف ممكن تمشيته على كل من الطريقتين فيحتمل أن المعنى وفسخ موصى بكتمه هذا إذا كان المتواصي بكتمه الزوجة أو الولي أو هما معا بل ولو كان المتواصي بكتمه الشهود وهي طريقة الباجي ويحتمل وفسخ موصى بكتمه هذا إذا كان المتواصي بكتمه الزوجة والولي والشهود بل ولو كان المتواصي بكتمه الشهود فقط وهي طريقة ابن عرفة.”[4]

وقال ابن قدامة:” فإن عقده بولي وشاهدين فأسروه أو تواصوا بكتمانه كره ذلك وصح النكاح، وبه يقول أبو حنيفة والشافعي وابن المنذر، وممن كره نكاح السر عمر رضي الله عنه وعروة وعبدالله بن عبيد الله بن عتبة والشعبي ونافع مولى ابن عمر، وقال أبو بكر عبد العزيز النكاح باطل لأن أحمد قال إذا تزوج بولي وشاهدين لا حتى يعلنه، وهذا مذهب مالك والحجة لهما ما تقدم في الفصل الذي قبل هذا، ولنا قوله لا نكاح إلا بولي مفهومه انعقاده بذلك وإن لم يوجد الإظهار، ولأنه عقد معاوضة فلم يشترط إظهاره كالبيع وأخبار الإعلان يراد بها الاستحباب بدليل أمره فيها بالضرب بالدف والصوت وليس ذلك بواجب فكذلك ما عطف عليه، وقول أحمد لا، نهي كراهة، فإنه قد صرح فيما حكينا عنه قبل هذا باستحباب ذلك ولأن إعلان النكاح والضرب فيه بالدف إنما يكون في الغالب بعد عقده ولو كان شرطا لاعتبر حالة العقد كسائر الشروط.”[5]

يمكن أن نخرج بنتيجة أن تعريفات الفقهاء للنكاح السري له عدة صور فإذا تم زواج بين رجل وامرأة وبحضور وليها وشاهدين عدلين فهذا نكاح سري عند بعض العلماء.

وصورة أخرى أن يعقد الزواج بين رجل وامرأة دون حضور وليها وبحضور شاهدين ثم يتواصى الجميع بالكتمان.

وصورة أخرى أن يعقد الزواج بين رجل وامرأة وبحضور وليها وبحضور شاهدين ثم يتواصى الجميع بالكتمان.

وصورة أخرى يعقد الزواج بين رجل وامرأة وبحضور وليها وبحضور شاهدين ثم يتواصى الزوج والزوجة والولي دون الشهود على الكتمان.

هذه هي بعض صور الزواج السري والتي تستدعي أن نتقل إلى المطلب القادم لنعرف أقوال العلماء في حكمها.

أقوال الفقهاء في الزواج السري

مر معنا في المطلب السابق بعض صور الزواج السري، وقد تناول أهل العلم أحكام هذه الصور.

قال ابن تيمية:” ونزاع  العلماء في ذلك على أقوال في مذهب أحمد وغيره فقيل يجب الإعلان أشهدوا أولم يشهدوا فإذا أعلنوه ولم يشهدوا تم العقد وهو مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايات، وقيل يجب الإشهاد أعلنوه أو لم يعلنوه فمتى أشهدوا وتواصوا بكتمانه لم يبطل وهذا مذهب أبى حنيفة والشافعى وأحمد في إحدى الروايات وقيل يجب الأمران الإشهاد والإعلان وقيل يجب أحدهما أوكلاهما يذكر في مذهب أحمد،  وأما نكاح السر الذي يتواصون بكتمانه ولا يشهدون عليه أحدا فهو باطل عند عامة العلماء وهو من جنس السفاح.”[6]

وقال الشافعي:” إذا وقع النكاح ثم أمر الزوجان بكتمان النكاح والشاهدين فالنكاح جائز واكره لهما السر لئلا يرتاب بهما.”[7]

وقال الشيباني:” نكاح السر إذا شهد عليه العدول قال محمد : قال أبو حنيفة: نكاح السر جائز إذا شهد عليه العدول وان استكتموا، وقال أهل المدينة: لا يجوز نكاح السر وان شهد عليه العدول إذا استكتموا ذلك، وقال محمد: كيف يبطل هذا وقد شهدت عليه العدول، أرأيتم رجلا زوج ابنته وهي ثيب برضاها وأمرها وبالبينة العدول رجلا كفوا صالحا إلا أنهم يرضون من الصداق جميعا على أمر استحيوا أن لا يعلم به الناس فسألهم أن يكتموا ذلك أيبطل ذلك النكاح؟ أرأيتم رجلا مستخفيا من سلطان زوج ابنته بالبينة العدول واستكتم ذلك من خوف السلطان أيبطل هذا النكاح؟ أو يزوج الرجل نفسه وهو مستخف من السلطان أو من دين عليه فسألهم أن يكتموا لمكان خوفه أيبطل هذا النكاح؟ قالوا: قد جاء في هذا اثر فلا نخالفه، قيل لهم قد سمعنا ذلك وحدثنا به فقيهكم مالك بن أنس يروي أن رجلا تزوج امرأة بشهادة رجل وامرأة واحدة فأبطل ذلك عمر رضي الله عنه وقال هذا نكاح السر لا أجيزه ولو تقدمت فيه لرجمت وهذا عندنا من النكاح الذي لا يجوز لان البينة لم تتكامل فيه ولا يجوز إلا بشاهدين عدلين أو رجل وامرأتين ممن يرضى به من الشهداء فإذا كملت الشهادة التي يحل بها النكاح فذلك نكاح العلانية .”[8]

وروى مالك في الموطأ:” أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة، فقال: هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت.”[9]

وقال في المدونة:” عن يونس أنه سأل ابن شهاب عن رجل نكح سرا أشهد رجلين قال: إن مسها فرق بينهما واعتدت حتى تنقضي عدتها وعوقب الشاهدان بما كتما من ذلك وللمرأة مهرها ثم إن بدا له أن ينكحها حين تنقضي عدتها نكحها نكاح علانية، قال يونس وقال ابن وهب مثله قال ابن وهب قال يونس: قال ابن شهاب: وإن لم يكن مسها فرق بينهما ولا صداق لها، ونرى أن ينكلهما الإمام بعقوبة والشاهدين بعقوبة فإنه لا يصلح نكاح السر قال ابن وهب: وسمعت يحيى بن عبد الله ابن سالم يقول مثله ابن وهب عن ابن لهيعة عن يعقوب بن إبراهيم المدني عن الضحاك بن عثمان أن أبا بكر الصديق قال لا يجوز نكاح السر حتى يعلن به ويشهد عليه. وعن ابن وهب عن شمر بن نمير الأموي عن حسين بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر هو وأصحابه ببني زريق فسمعوا غناء ولعبا فقال ما هذا فقالوا نكح فلان يا رسول الله فقال كمل دينه هذا النكاح لا السفاح ولا نكاح السر حتى يسمع دف أو يرى دخان. قال حسين: وحدثني عمرو بن يحيى المازني عن جده أبي حسين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره نكاح السر حتى يضرب بالدف. وعن ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أيوب بن شرحبيل مر من قبلك فليظهروا النكاح وليضربوا الدفاف فإنها تفرق بين النكاح والسفاح.”[10]

وقال ابن قدامة المقدسي:” فإن عقده بولي وشاهدين فأسروه أو تواصوا بكتمانه كره ذلك وصح النكاح، وبه يقول أبو حنيفة والشافعي وابن المنذر، وممن كره نكاح السر عمر رضي الله عنه وعروة وعبدالله بن عبيد الله بن عتبة والشعبي ونافع مولى ابن عمر، وقال أبو بكر عبد العزيز النكاح باطل لأن أحمد قال إذا تزوج بولي وشاهدين لا حتى يعلنه، وهذا مذهب مالك والحجة لهما ما تقدم في الفصل الذي قبل هذا، ولنا قوله لا نكاح إلا بولي مفهومه انعقاده بذلك وإن لم يوجد الإظهار، ولأنه عقد معاوضة فلم يشترط إظهاره كالبيع وأخبار الإعلان يراد بها الاستحباب بدليل أمره فيها بالضرب بالدف والصوت وليس ذلك بواجب فكذلك ما عطف عليه، وقول أحمد لا، نهي كراهة، فإنه قد صرح فيما حكينا عنه قبل هذا باستحباب ذلك ولأن إعلان النكاح والضرب فيه بالدف إنما يكون في الغالب بعد عقده ولو كان شرطا لاعتبر حالة العقد كسائر الشروط.”[11]

يلاحظ مما مر معنا أن بعض العلماء وهم المالكية لم يلتفتوا إلى مسألة الإشهاد في عقد الزواج قدر التفاتهم إلى مسالة الإعلان، فاعتبروا الإعلان هو الأساس في الزواج والإشهاد لا يكفي بل لا بد من الإشهار، ولا يجيزون الزواج دون الإعلان على الملأ، بل بفرقان بين الزوجين إذا تم الدخول بينهما دون إشهار وإعلان، بل في بعض أقوال مذهبهم يعاقب الزوجان والشاهدان على ذلك.

جمهور العلماء من الشافعية والحنفية ورواية عند احمد يعتبرون الإعلان حاصل بالحد الأدنى له وهو شهادة الشهود، حتى ولو تواصوا جميعاً بكتمان هذا الزواج، فلا يؤثر شيئا في صحة العقد ولا يحدث خللا فيه، أما الإعلان والإشهار على الملأ والضرب بالدف فمن الأمور المستحبة في الزواج لا من الأمور الواجبة فيه، حيث صرِفَ الأمر الوارد في النصوص الشرعية والتي تشير إلى إشهار الزواج على الناس صرِفَ الأمر من الوجوب إلى الندب لا أكثر، والزواج جائز وصحيح بدون إعلان على الناس إذا حضره شاهدان فقط.

اما إذا انعقد الزواج بين الزوجين ودون حضور الولي ولا حضور الشهود فهو زواج باطل عند عامة أهل العلم، واعتبره الحنفية زواجا فاسدا إذا جرى فيه الدخول، وكما مر في قول ابن تيمية هو من جنس السفاح، أي من جنس الزنا، لأنه يفقد أركانه عند الجمهور وهم الولي والشهود ويفقد شرط الصحة عند الحنفية وهم الشهود لذا عدوه فاسدا، فهو عقد واجب الفسخ على الفور حيث اتفقت كلمة الفقهاء على عدم قبول هذا العقد الذي تم بلا شهود ولا ولي واتفقت كلمتهم على وجوب فسخه وعدم إستمراريته مع خلاف  في بعض الآثار المترتبة عليه بعد الفسخ بين الجمهور  والحنفية إذا جرى فيه الدخول كما مر معنا سابقا.

أما ذا جرى عقد الزواج بين رجل وامرأة وبحضور شاهدين عدلين ثم تواصى الجميع على كتمانه، فهذا زواج باطل عند المالكية لعدم الإشهار وهو زواج باطل عند الشافعية لعدم حضور الولي وهو زواج جائز عند الحنفية ويتوقف جوازه على موافقة الولي فللولي حق الفسخ إذا وُجدت هنالك مسوغات وأسباب شرعية يمكن أن يطعن فيها الولي على التفصيل المذكور في فقه الحنفية. إذ لا بد أن يطلع الولي على هذا الزواج ولا بد من إعلام المرأة لوليها عن عقد هذا الزواج ولا يجوز للمرأة تفويت حق وليها في اطلاعه على زواجها، بل الواجب عليها أن تعلم وليها بذلك الزواج، وله باسم حق الولاية عليها أن يفسخ الزواج إذا وُجد سبب شرعي لذلك. وهذه لفتة ينبغي أن يدركها الناس فالحنفية عندما لم يعتبروا الولي ركنا من أركان الزواج ولا شرطا من شروط صحته إلا أنهم أعطوه حق ولاية تتيح له فسخ الزواج، ورتبوا نفاذ العقد على إجازة الولي.

وهنالك صورة أخرى لنكاح السر وهي أن يعقد رجل على امرأة بحضور وليها وبحضور الشهود دون أن يتواصى احد لا على كتمان الزواج ولا على إعلانه، ويبقى في هذا الزواج احتمال الإعلان واحتمال الكتمان، فهذه الصورة جائزة عند الجمهور، اما عند المالكية فان علة قبولهم للزواج وعدم قبولهم أو الإعلان وليس التواصي بالكتمان ، وعلى هذا فكل زواج لم يعلن على الناس فهو باطل ولو لم يتواصى احد بكتمانه وهذه بعض أراء في مذهب المالكية.

 

 

 

[1] الجرجاني، علي بن محمد الجرجاني، التعريفات، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1/315 تحقيق إبراهيم الابياري.

[2] السيواسي، محمد بن عبدالواحد، شرح فتح القدير، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 3/200 .

[3] الشيباني: أبو عبدالله محمد بن الحسن، الحجة، دار النشر عالم الكتاب، بيروت، الطبعة الثالثة، 3/222.

[4] الدسوقي،  حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، دار الفكر العربي، 2/237 بتصرف.

[5] ابن قدامه، المغني في فقه الإمام احمد بن حنبل الشيباني7/63

[6] ابن تيمية، الفتاوى، 33/158

[7] الشافعي، الأم، 5/22

[8] الشيباني: أبو عبدالله محمد بن الحسن، الحجة، دار النشر عالم الكتاب، بيروت، الطبعة الثالثة، 3/222.

[9] مالك بن انس، الموطأ، دار إحياء التراث العربي، مصر، 2/535 تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي.

[10] مالك بن انس، المدونة الكبرى، بيروت 4/194

[11] ابن قدامه، المغني في فقه الإمام احمد بن حنبل الشيباني7/63

جميع الحقوق محفوظة للموقع

 
انتباه : لا تعتبر المادة المنشورة في الموقع ولا بأي حال من الاحوال مادة استشارية قضائية ولن تكون المادة بديلاً للأستشارة القانونية والقضائية ...... كل من يستعمل المواد المنشورة في الموقع بأي طريقة فالمسؤولية كلها تقع على مستعملها ولا تكون لأدارة الموقع اي مسؤولية ولا بأي شكل من الاشكال