دستور القضاء في الاسلام
رسالة عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- لابي موسى الاشعري
(( أما بعد ، فان القضاء فريضة مُحْكَمة ، وسنة متبعة ، فافهم اذا أدِلي اليك ، فانه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له . آس الناس في مجلسك وفي وجهك وقضائك ، حتى لا يطمع شريف في حيفك ، ولا يبأس ضعيف من عدلك ، البينة على المدّعي , واليمين على من انكر ، والصلح جائز بين المسلمين ، الا صلحا احل حراما او حرم حلالا ، ومن ادعى حقا غائبا أو بينة فاضرب له امدا ينتهي اليه ، فان بينه اعطيته بحقه ، وان اعجزه ذلك استحللت عليه القضية ، فان ذلك هو ابلغ في العذر واجلى للعماء ، ولا يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت رأيك فهديت فيه لرشدك ان تراجع فيه الحق ، فان الحق قديم لا يبطله شيء ، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ، والمسلمون عدول بعضهم على بعض ، الا مجربا عليه شهادة زور ، او مجلودا في حد ، او ظنينا في ولاء أو قرابة ، فان الله تعالى تولى من العباد السرائر ، وستر عليهم الحدود الا بالبينات والايمان ، ثم الفهم الفهم فيما ادلى اليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنة ، ثم قايس الامور عند ذلك واعرف الامثال ، ثم اعمد فيما ترى الى احبها الى الله واشبهها بالحق ، واياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس والتنكر عند الخصومة ، او الخصوم – شك ابو عبيد- , فان القضاء في مواطن الحق مما يوجب الله به الاجر ، ويحسن به الذكر ، فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس ، ومن تزين بما ليس في نفسه شانه الله ، فان الله تعالى لا يقبل من العباد الا ما كان خالصا ، فما ظنك بثواب عند الله عاجل رزقه وخزائن رحمته ، والسلام عليك ورحمة الله.” [1]
القواعد والتوجيهات التي اشتملت عليها رسالة عمر بن الخطاب[2] :
- ضرورة القضاء ووجوبه وكونه فريضة من فرائض الدين.
- وجوب فهم الدعوى والقضية عند التداعي قبل الحكم.
- وجوب انفاذ الحكم.
- وجوب العدل والانصاف والمساواة بين الخصوم في مجلس القضاء وعدم الحيف والظلم لئلا ينحصر لسان الخصم وينكسر قلبه فلا يستطيع تأدية حجته فيؤدي ذلك الى ظلمه .
- وجوب فهم ادلة الاحكام ولزوم التثبت في فهمها وما تدل عليه عند الاشتباه في الحكم.
- اقرار الاجتهاد والقياس.
- الرجوع عن الحكم ونقض القضاء اذا تبين له الخطأ في حكمه ومخالفته للكتاب والسنة اما اذا كان لتجدد الاجتهاد فلا ينقضه .
- الاصل عدالة المسلمين ما لم تخدش هذه العدالة باحد القوادح.
- مردود الشهادة بالقذف.
- مجرب عليه شهادة الزور.
- متهم في تزوير لنسبه او ولائه .
- امهال مدعي البينة والحق الغائب بعض الوقت.
- اثبات الدعوى يكون بالبينة وان لم تكن فيحلف المدعى عليه لان البينة العادلة مقدمة على اليمين الفاجرة .
- الحكم يكون على الظاهر بالبينات والله يتولى السرائر .
- درء الحدود بالشبهات.
- لا يجوز للقاضي ان يحكم وهو غضبان.
- اقرار الصلح بشروطه.
- اخلاص النية في القضاء ومراعاة طلب الأجر والثواب وعدم الرياء والسمعة.
[1] اعلام الموقعين ابن قيم الجوزية ص 67-68. معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الاحكام، علاء الدين علي بن خليل الطرابسي الحنفي ص14، دار الفكر للطباعة والنشر. سنن الدارقطني 4/ 206 حديث رقم 512 وصححه الالباني في اراواء الغليل ج.8 ص241.
[2] القضاء في عهد عمر بن الخطاب ، د. ناصر بن عقيل بن جاسر الطريفي ، ص 620-621 ، مكتبة التوبة ط5 1986م