الاجتهاد - شرعي

شريط إخباري
ما هي اليمين المتممة؟   **   ما هي اليمين الحاسمة؟   **   الاعتقاد السائد عند كثير من المحامين و/او المرافعين الشرعيين هو عدم جواز تقديم استئناف الا بعد صدور حكم قطعي ، الحقيقة ان  هذا الاعتقاد خطا   **   اختلاف قضاة الاستئناف في تفعيل المادة السادسة من نظام تأسيس محكمة الاستئناف الشرعية (تشريع فلسطين 1918-1925)   **   طلب الزوج تأجيل الدعوى لتوقع خروجه من السجن بعد شهر من الموعد المحدد فرفضت محكمة البداية طلبه لكن…..   **  

الاجتهاد

اهمية الاجتهاد

أ‌.        رائد عبدالله بدير

عضو هيئة العلماء والدعاة في القدس الشريف

   تكلم العلماء عن أهمية الاجتهاد، وتناول الأصوليون موضوع الاجتهاد في كتبهم قديما وحديثا بإسهاب ، وذلك لأهميته ومنزلته وديمومته فقال السيوطي : ” الاجتهاد من فروض الكفاية ، حتى لو اشتغل بتحصيله واحد سقط الفرض عن الجميع ، وان قصر فيه أهل عصر عصوا بتركه ، واشرفوا على خطر عظيم فان الأحكام الاجتهادية إذا كانت مترتبة على الاجتهاد ترتب المسبب على السبب وان لم يوجد السبب كانت الأحكام عاطلة والآراء متماثلة فلا بد من مجتهد “[1] ، وعد الشهرستاني في كتاب الملل والنحل الاجتهاد من الفروض قائلا :” وبالجملة نعلم قطعا ويقينا أن الحوادث والوقائع في العبادات والتصرفات مما لا يقبل الحصر والعد ، ونعلم قطعا أيضا انه لم يرد في كل حادثة نص ولا يتصور ذلك أيضا ، والنصوص إذا كانت متناهية والوقائع غير متناهية ، وما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى عُلم قطعا أن الاجتهاد والقياس واجب الاعتبار حتى يكون بصدد كل حادثة اجتهاد”[2] ، وقال الغزالي : ” في تقدير خلو واقعة عن حكم الله تعالى مع بقاء الشريعة على نظامها وقد جوزه القاضي حتى كان يوجبه وقال : المآخذ محصورة والوقائع لا نهاية لها …. , وقال : والمختار عندنا احالة ذلك وقوعا في الشرع لا جوازا في الفعل .[3] ولهذا عد الشاطبي ” أن من أنواع الاجتهاد ما لا ينقطع حتى ينقطع اصل التكليف وذلك عند قيام الساعة وهو ما يسمى بتحقيق المناط “[4].ويقول الأستاذ الدريني: “وواقع الأمر أن قضية خلود الشريعة ، وأنها دين الله إلى يوم القيامة لا تصدق دون هذا الاجتهاد القائم على التعقل واصالة الفكر في تفهم نصوصها ومقرراتها وفي تطبيقها على كل ما يجد في الحياة من وقائع ، وما يلم بها من تطور أحدثه الفكر الإنساني”[5] .

إن خصائص التشريع الإسلامي ومميزاته من المرونة والعموم ، والثبات والتطور، والكليات والجزيئات وغيرها من الخصائص والمميزات هي التي فرضت على المؤمنين بهذا التشريع العظيم ، وخاصة أولى الألباب منهم ، النظر والبحث والتأمل والتدبر والتعقل واستفراغ الطاقة والوسع عند تناول هذا التشريع العظيم ، وهو ما يسمى بالاجتهاد في اصطلاح الأصوليين بكافة أبعاده المختلفة والتي لخصها الأستاذ الدريني بقوله:  إن للاجتهاد بالرأي أبعادا مختلفة تمثل مناهجه وتتناول روح التشريع ، ومقاصده الأساسية فضلا عن نصوصه منها الاجتهاد بالرأي في نطاق النص لاستهلاك طاقاته في كافة دلالاته على معانيه ، ولاسيما في دلالاته العقلية التي هي من لوازم عبارته ، كدلالة الإشارة ودلالة النص أو فحوى الخطاب ، ودلالة الاقتضاء ، ودلالة مفهوم المخالفة ،  ومن هذه الأبعاد أيضا البعد الاجتهادي فيما لا نص فيه وهو على أنواع منها الاجتهاد القياسي الذي يرد النظير إلى نظيره لعلة جامعه بينهما ، ومنها

الاجتهاد القائم على تقرير المصالح المتجددة التي لم يرد فيها نص وهي من التكاثر والتجدد بحيث لا تحصى كثرة ، ومن هذه الأبعاد أيضا للاجتهاد بالرأي استقراء الجزيئات التي اختلفت موضوعاتها ، ليستنبط منها مفاهيم كبرى يسلك كل مفهوم منها عديدا من هذه الجزيئات بحكم واحد ، لوحدة الهدف والغاية المتصلة بمفهوم العدل ، ومنها منهج الاجتهاد بالرأي القائم على سياسية التشريع التي تستلزمها الظروف المستجدة العامة ولا سيما الاستثنائية منها ، ومن هذه الأبعاد أيضا الاجتهاد بالرأي في التطبيق فهو قسيم الاجتهاد بالرأي في الاستنباط والتفريع وتبدو خطورة الاجتهاد بالرأي في التطبيق وعظيم أثره وضرورته أن القران الكريم إذ اتخذ في بيانه للأحكام المنهج الكلي لا التفصيلي لذا لزم أن يكون الاجتهاد  بالرأي هو السبيل الوحيد الذي لا مناص منه للاصطلاح بمهمة التطبيق الواقعي لتلك الكليات على الوقائع الجزئية التي تنتاب المجتمع في كل عصر وبيئة بما يحتف بها من ظروف وملابسات متجددة ومتغايرة لا تنحصر مقترنا هذا الاجتهاد بالتبصر الواعي بمآلات التطبيق ونتائجه المتوقعة ، وتقدير تلك النتائج بميزان المصالح المعتبرة شرعا بحيث يحفظ على الحياة الإنسانية كيانها ، ويوفر لها كل أسباب النمو ، والتقدم والازدهار والمنعة، ويجنبها عوادي الانهيار والتهافت[6].

هذا المفهوم لمعنى الاجتهاد بكافة أبعاده يجعل الشريعة الإسلامية في كل عصر ومصر تساير عوامل النمو والارتقاء ويجعلها شريعة وافية بمطالب الحياة الإنسانية كلها من جميع جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، والعسكرية…….الخ ويقود الحضارة الإنسانية الى معالم الحق، وتسهم في عمارة الأرض ، وتجعلها شريعة صالحة لكل زمان ومكان ، ومصلحة كل مكان وزمان،  ويجعل كلمة الشريعة هي العليا في زمن تحاول جميع الشرائع الوضعية ان تكون لها الكلمة العليا معتمدة على ما وصلت إليه من إنجازات في مجال العلوم ، ظانة بنفسها أن العقل البشري وحده يستطيع أن يدير الحياة الإنسانية بكافة أنواعها وأشكالها دون الحاجة إلى مرشد وموجه له.

اذا كانت هذه مكانة الاجتهاد واهميته في التشريع الاسلامي ، ولا يختلف اثنان بعد تعريف الاجتهاد وتبيان مكانته ان العقل هو يتفاعل مع النصوص ويستخرج منها الاحكام بعد الغوص في مسالك عللها ، وهذا يدل ان هنالك علاقة وطيدة بين النص والعقل او ما يسميه الأصوليون ” النقل والعقل” ، وهذا يستدعي ان نبين اهمية هذه العلاقة ودورها في التشريع الاسلامي.

لقد كان عصر التنزيل أكثر العصور اجتهادا، على خلاف المنطق القائل أن الأصل في عصر التنزيل أن يكون اقل العصور اجتهادا لوجود الوحي، لم يحصر هذا العصر بأربعة مذاهب ولا خمسة مذاهب ولا ثمانية مذاهب ولا عشرين مذهبا، لم  يتعاطى هذا العصر مع أراء من عاش فيه من الصحابة بأنها أراء راجحة أو مرجوحة أو معمول بها أو معتمدة أو شاذة ، كانت الآراء كلها تتحرى الحق العلمي بموضوعية ونزاهة، لم يكن بينهم ما يدعو الى التعصب بدافع المذهبية أو شخصنة العلم في رجال، كانت شدائد ابن عمرو رضي الله عنه تستند الى دليل وكانت رخص ابن عباس رضي الله عنه تستند إلى دليل، لم يقض ابن عباس رضي الله عنه نصف عمره في الرد على ابن عمرو رضي الله عنه ، ولم يقض ابن عمرو رضي الله عنه نصف عمره في الرد على ابن عباس، كانت المسالة تطرح على النحو الآتي، ماذا تقول في كذا وكذا؟ فيجاب أرى فيها كذا، ثم يسال آخر عن نفس المسالة فيجيب رأيا مخالفا فيقول أرى فيها كذا. وكان كل واحد منهم ينظر بعقله الى النصوص ليستنبط الاحكام ثم ينطق بها بلسانه، كل ذلك في عصر التنزيل وزمن نزول الوحي او في الفترة القريبة منه.

لقد فهم الصحابة رضية الله عنهم كيفية الاجتهاد وكيفية تطبيقه، وفهموا علاقة النقل بالعقل والمساحة التي اعطيت للعقل للنظر في النصوص….وهذا يدعونا لان نتحدث عن ” علاقة العقل بالنقل” من حيث الاستنباط والتطبيق.

 

[1] السيوطي-عبد الرحمن بن أبي بكر محمد -تقرير الاستناد في تفسير الاجتهاد- دار الدعوة الإسكندرية  الطبعة الأولى  ج 1 ص 30 تحقيق د.فؤاد عبد المنعم احمد.
[2] الشهرستاني-محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر احمد -الملل والنحل-دار لمعرفة بيروت-الجزء 1 ص 199 تحقيق محمد سيد كيلاني.
[3] الغزالي-محمد بن محمد أبو حامد -المنخول في تعليقات الأصول -دار الفكر دمشق الطبعة الثانية- ص 485 تحقيق د.محمد حسن هيتو
[4]  الشاطبي- إبراهيم بن إسحاق اللخمي الشاطبي- الموافقات – دار المعرفة بيروت – الجزء 4 ص 89
[5] الدريني- محمد فتحي – المناهج الاصوليه في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي-مؤسسة الرسالة الطبعة الثالثة 1997-ص 30.
[6] الدريني- محمد فتحي –  بحوث مقارنة – مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى 1994 ص 32 وبعدها

 
انتباه : لا تعتبر المادة المنشورة في الموقع ولا بأي حال من الاحوال مادة استشارية قضائية ولن تكون المادة بديلاً للأستشارة القانونية والقضائية ...... كل من يستعمل المواد المنشورة في الموقع بأي طريقة فالمسؤولية كلها تقع على مستعملها ولا تكون لأدارة الموقع اي مسؤولية ولا بأي شكل من الاشكال